د.سعيد إدوش
حرية المعتقد او الدين، من أهم الحقوق التي نصت عليها المواثيق الدولية الأساسية في مجال حقوق الإنسان، فقد اطرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،والعهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية،والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتناولتها أيضا النصوص القانونية الداخلية في أسمى قانون وهو الدستور المغربي.
ولعل الدافع لتناول الحق في حرية الدين، وتخصيصه بنقاش عام دون غيره من الحقوق الأخرى، جاء باعتبار المغرب طرف في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان السالفة الذكر، دون أن يتحفظ على الأحكام والمضامين المؤطرة لحرية الدين او المعتقد ،إلا ان التشريع الداخلي يؤطر مسألة الدين ضمن إقليم الدولة تتضمن بعض القيود، فضلا عن وجود مؤسسة دينية عليا وهي مؤسسة إمارة المؤمنين الراعية للشأن الديني المغاربة.
واذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الثامنة قد تناول حق كل شخص في حرية الفكر والوجدان والدين، بما يعنيه من حريته في تغيير دينه او معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفردهاو مع جماعة، إلا ان القوانين الداخلية وسعيا للحفاظ على السلامة العامة او النظام العام والآداب العامة قد اطرت هذا النقاش، بشكل لا يسمح بالتشكيك في هوية وخصوصية وتوابث الدولة المغربية.
إن تناول هذا الموضوع ليس سهلا، نظرا لحساسيته بالنسبة لجميع الدول، سواء المسلمة او المسيحية او اليهودية او البوذيةاو الهندوسية او الكنفوشيوسية او الطاوية،بحيث ان موضوع حرية المعتقد او الدين،بقي مستعصيا عن التاطير اتفاقية دولية، بالرغم من أن هناك إعلان 1981بشان القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على اساس الدين المعتقد المعتمد من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدون تصويت، إلا أنه كان مفتقرا لصفة الإلزامية لاحكامه،ولم يتضمن اية آلية للإشراف على تنفيذه، وهذا راجع لكون هذه القضية، محاطة باعتبارت سياسية وعقديةواجتماعية، فكلما توفرت الرهانات السياسية لموضوع حقوقي معين، كلما استعصى تأطير باتفاقية دولية.
لقد اقتحمت قضية حرية المعتقد والرأي مجال النقاش العام، واصبحت موضوعا راهنيا بعد الحراك الاجتماعي 2011،وبرز ذلك بوضوح خلل الأشغال التحضيرية الدستور 2011,وكان قاب قوسين من اعتماده، غير ان معارضة حزب العدالة والتنمية حالت دون ذلك، لكونه يتعارض مع طبيعة المجتمع والدولة المغربية. ولاشك ان الدستور المغربي لم يستطع ان يقتحم الخط الذي يجعله متناغما مع الدولة المدنية،رغم انه ارسى الأبعاد المتعددة للهوية المغربية الموحدة بانصهار كل مكوناتها العربية الإسلامية، الامازيغية، والصحراوية الحسانية،والغنية بروادها الأفريقية والاندلسية والعبرية والمتوسطية، واقر بالبعد اليهودي فيها، ولم يشر على الإطلاق المسيحية، وكان ذلك أمرا بالغ الاهمية لكونه يقطع مع مخلفات نظام الذمة او الملة.
وفي خطاب الملك الذي القاه في حفل استقبال البابا فرانسوا مارس 2019، أوضح جلالة الملك، أن حرية المعتقد تقف عند حقوق المغاربة اليهود فقط، مع ضمان احترام الحقوق الدينية لغير المغاربة، اي المسيحيين القادمين من الدول الأخرى والذين يعيشون في المغرب.
وعليه فخطاب الملك باعتباره اميرا للمؤمنين حسم الأمر، وكان واضحا حول حرية المعتقد.
واخيرا تجدر الإشارة لكون المنظومة القانونية المغربية لا تتضمن اي نص حول حرية الدين او المعتقد،سواء في الدستور او في القوانين العادية، غير ان التأويل الواسع لمقتضى إمارة المؤمنين قد يستوعب جزئيا على الأقل حرية المعتقد، متجاوزة المسلمين، وهو ما صرح به الملك محمد السادس لصحيفة ملغاشية خلال زيارة رسمية لدولة مدغشقر نونبر 2016،بالقول: بان ملك المغرب هو أمير المؤمنين المؤمنين بجميع الديانات، والضامن لممارسة الشؤون الدينية..
ويبقى الموضوع مثار تجاذبات لاطرف الطيف السياسي المغربي.