في السنوات الأخيرة، شهد المغرب تراجعًا ملحوظًا في أعداد أفراد الجالية المغربية الذين يزورون وطنهم خلال العطلات، وخصوصًا في موسم الصيف. هذا التراجع ليس مجرد صدفة، بل هو انعكاس مباشر لتراكم عدة معوقات أبرزها الغلاء المتفشّي بكل أنواعه، والذي امتد ليشمل تكاليف السفر والإقامة والخدمات داخل المغرب بصفة عامة.
أولًا، أسعار تذاكر السفر باتت كابوسًا حقيقيًا لأغلبية المغاربة المقيمين في الخارج. مقارنة بأسعار السنوات الماضية، فقد تضاعفت تكلفة الرحلات الجوية، التي تصل لأكثر من 500 يورو أو ما يعادلها في بعض الأحيان. الرحلات البحرية، والتي تعتبر الخيار الأوفر للكثير من العائلات، لم تكن بأفضل حال، إذ تراوحت أسعار التذاكر بين 40 إلى 100 يورو للذهاب فقط، مع ازدحام وتضارب في المواعيد أحيانًا. هذا الغلاء الفاحش جعل من التنقل عائقًا كبيرًا، لا سيما للعائلات المتوسطة والدنيا الدخل، مما يدفعهم لإعادة النظر في قراراتهم بزيارة المغرب.
ثانيًا، ارتفاع الأسعار لا يتوقف فقط عند وسائل النقل. فالوصول إلى المغرب يعني اشتداد معاناة الزائرين مع تكلفة الإقامة والفنادق التي سجلت قفزات غير مسبوقة تتجاوز في كثير من الأحيان ما يدفعه السائحون الأجانب. أما الأسعار في المطاعم والمقاهي والمواصلات فحدث ولا حرج، حيث تُستغل الجالية بفرض أسعار عالية بحكم ارتباطهم العاطفي بالبلد.
ثالثًا، هناك بعد نفسي واجتماعي له دور لا يقل أهمية عن البعد الاقتصادي، إذ أن بعض أفراد الجالية يشيرون إلى معاملة غير لائقة وعدم احترام في بعض الأحيان، سواء في نقاط العبور أو من طرف بعض العاملين في قطاع الخدمات. هذه التجارب تقلل من جاذبية العودة، وتولد ضغطًا نفسيًا يضاف إلى عبء التكاليف المالية.
من هنا يطرح السؤال: هل يعقل أن يُفضّل المغاربة المقيمون بالخارج قضاء عطلاتهم في دول أقل ارتباطًا بهم عاطفيًا، مثل إسبانيا، البرتغال أو فرنسا، فقط بسبب عزوفهم عن تحمل تكاليف وطريقة استقبال الوطن؟ وما الدور الذي يجب أن تلعبه الحكومة والقطاع الخاص لتجاوز هذه الأزمة التي تهدد الروابط الاجتماعية والاقتصادية؟
الحلول المقترحة كثيرة، منها:
1. **مراقبة صارمة لأسعار تذاكر السفر**، سواء جوية أو بحرية، والعمل على توفير رحلات بأسعار مناسبة وخاصة في مواسم الذروة الصيفية.
2. **تشجيع شركات النقل على عروض خاصة للمغاربة المقيمين بالخارج** لخفض التكاليف وتحسين الخدمات.
3. **تنظيم القطاع السياحي عبر مراقبة الأسعار** وتوفير خدمات ذات جودة تلبي توقعات الجالية، وحماية الزبون من استغلال الأسعار.
4. **تحسين استقبال المهاجرين في المنافذ الحدودية، وتسهيل إجراءات الدخول** لرفع الإحساس بالترحيب والاحترام.
5. **إطلاق حملات توعية داخل المغرب** تحث على احترام الجالية، وإنعاش الروابط العائلية والاجتماعية.
6. **تشجيع الاستثمار في بنية تحتية سياحية متطورة وبأسعار مناسبة** في المدن التي تستقبل عادة الجالية، لضمان تجربة أفضل.
ختامًا، غلاء التكاليف ليس فقط عقبة مادية بل إشارة إلى ضرورة إصلاحات شاملة تعيد الجالية المغربية إلى وطنها بروح وشعور بالراحة والكرامة. فالعودة ليست مجرد رحلة، بل استعادة للهوية والجذور التي لا تُقدر بثمن.
بالإضافة إلى غلاء تذاكر السفن والطائرات، أصبحت الجالية المغربية تفضّل الذهاب إلى دول مثل إسبانيا والبرتغال وتركيا لقضاء عطلاتها. هذي الدول تقدم عروض سفر وإقامة بأسعار أقل وجودة خدمات مرتفعة، عدا عن القرب الجغرافي والسهولة في الحصول على تأشيرات.
الاختيار هذا يعكس بحثهم عن الراحة والتكاليف المعقولة بعدما أصبح السفر إلى المغرب مكلفًا جدًا، وهذا يطرح تساؤلات عن كيفية تحسين تجربة الجالية في وطنهم من ناحية التكلفة والخدمات.